المسارات الآنية للخروج من ازمة انتخاب رئيس الجمهورية
د. شجاع محمود خلف
لم تستطع الفواعل السياسية العراقية المؤثرة في المشهد السياسي من تغير نمط اختيار رئيس جمهورية العراق من حيث المناطقية الاجتماعية وتدوير الاختيار بين المحافظات العراقية بدلا من حصره في رقعة جغرافية معينة، إذ من العهد الجمهوري الرابع وحتى الدورة البرلمانية الخامسة في عراق ما بعد عام 2003 لا يزال هذا المنصب مقتصر على المحافظات الغربية والشمالية من البلاد وتحديدأ صلاح الدين والموصل واربيل والسليمانية، دون أن يكون لرمزية العاصمة بغداد او المحافظات ذات التنوع الاجتماعي اي دور في ترشيح الرئيس وهذا لا يتلاءم مع القيمة الاعتبارية لهذا المنصب الذي اشارت اليه المادة(67) من الدستور بأن (رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن ..) وقد أحتُكِر داخل المكون الكردي وفي حزب الاتحاد الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني الذي سرعان ما دأب الخلاف بينهما وعقد المشهد السياسي اكثر في انتخابات عام 2018 عندما انتخب السيد برهم صالح مرشح حزب الاتحاد الكردستاني عن كتلة البناء بعيدا عن الارادة السياسية للحزب الديمقراطي الكردستاني، وأستمر الخلاف بعد نتائج انتخابات عام 2021 المبكرة من فوز بعض الاحزاب باغلبية مقاعد مجلس النواب العراقي دون تمكنها من الوصول إلى اغلبية ثلثي الاعضاء ورافق تلك النتائج من تحولات جوهرية متمثلة برغبة الاحزاب من استبدال شعار التوافقية السياسية المعهودة في تشكيل الحكومات المتعاقبة إلى الاغلبية السياسية، ازاء ذلك نحاول وضع بعض المسارات الآنية للخروج من هذه الازمة والتي تتمثل في ما يلي:
المسار الاول: التوافقية داخل المكوناتية
أن في هذا المسار شقين، يتعلق الشق الأول في لجوء الاطراف الكردية التي تتولى عملية ترشيح رئيس الجمهورية عبر التوافق المكوناتي على المنصب دون الحاجة إلى الذهاب بإتجاه تحقيق التحالف بينهما من اجل تمريره، وإنما بناءً على توافقات داخلية تفرضها على المكونات الاخرى، وهذا ما حصل سابقاً عند ترشيح عادل عبد المهدي لرئاسة الوزراء بتوافق الفتح_ سائرون تحت شعار التوافقات السياسية، وربما يعزز هذا التوافق هو الخلافات الداخلية التي يشهدها جناحي حزب الاتحاد الوطني الكردستاني المتمثلة بجناح بافال طالباني وجناح لاهور الشيخ جنكي، فضلا عن ذلك تأثير العامل الاقليمي المتمثل بالجمهورية الاسلامية الايرانية الذي يدفع بالاتحاد نحو التوافق مع الديمقراطي، ولا سيما بعد تحول المشهد السياسي والنيابي إلى الاطار التنسيقي بعد انسحاب الكتلة الصدرية من مجلس النواب واصبح الكتلة الاكبر التي تتولى تشكيل الحكومة .
اما الشق الثاني التوافق على العرف السياسي الاقلياتي : أن اللجوء الى مثل هذا التوافق مستبعد، ومع ذلك قد تستعين به الاحزاب الكردية لتجميد خلافاتها على منصب رئيس الجمهورية، والذي يتمثل في تقديم مرشح لرئاسة الجمهورية من الاقليات العرقية داخل المناطق الجغرافية للأقليم او من المناطق التي يصفها بالمتنازع عليها كعرف سياسي جديد وحالة توافقية جديدة للاحزاب الكردية، وفي الواقع أن اعتماد هذا العرف يحقق لهذه الاحزاب الكثير من المكاسب السياسية والانتخابية وربما يحجم من دور المعارضة الموجودة في الاقليم .
المسار الثاني: حل البرلمان واجراء انتخابات مبكرة
لم يشر الدستور العراقي في أي مادة من موادهِ إلى مصطلح الانتخابات المبكرة وإنما اشار إلى اجراء الانتخابات العامة، إلا أن التوافقات السياسية قد ابتدعت هذه الفكرة كخيار للخروج من ازمة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالاصلاح، وقد نجحت في اجرائها إلا أن نتائج تلك الانتخابات لم تنهي ازمة الانسداد السياسي، لذا قد تتفق الكتل السياسية على حل البرلمان للخروج من حالة الانسداد السياسي، وفي الواقع من الصعب اللجوء إلى هذا المسار لأعتبارات سياسية وقانونية، تتمثل الاعتبارات السياسية في أن بعض الكتل السياسية الحاصلة على مقاعد مجلس النواب غير مستعدة في حل البرلمان، ففي الحل قد تخسر الكثير من مقاعدها التي حصلت عليها وتضع ورقة رابحة لدى خصومها الطامحين في اعادة الانتخابات كأحزاب الاطار التنسيقي وبعض الاحزاب التي انبثقت من الاحتجاجات الشعبية، فضلاً عن النواب المستقلين، اما الاعتبارات القانونية فإن عملية اجراء الانتخابات المبكرة تحتاج على حكومة كاملة الصلاحيات تقع على عاتقها تعديل قانون الانتخابات بالشكل الذي يسمح وتخصيص الاموال اللازمة لاجرائها، فضلا عن تحديد موعد اجراء الانتخابات والحكومة الحالية حكومة تصريف اعمال، لا يحق لها التخصيص المالي، ومع ذلك وفي حال تمكنت الكتل السياسية من تجاوز هذه الاعتبارات، فإن مسار الانتخابات المبكرة قد يكون حاضرا لكسب الوقت والعبور لمرحلة اخرى حتى تستطيع أن تكيف اوضاعها واعادة تنظيم كوادرها.
المسار الثالث: خيار الحكومة الانتقالية
يستند هذا الخيار على وجود توافقات بين الاطراف السياسية المكونة للنظام السياسي والحركات الناشئة بعد الاحتجاجات الشعبية وفق قاعدة لا غالب ولا مغلوب، وتتفق هذه الاطراف على مسارين، الأول سياسي يتعلق على تحديد موعد الانتخابات وكيفية تنظيمها، والثاني قانوني يتعلق في اتخاذ مجموعة من القرارات الاجرائية الاصلاحية والتي تتمثل في تعديل قانون الانتخابات رقم (9) لسنة 2020 وربما يكون التعديل اضافة فقرة في القانون تنص على وجود العتبة الانتخابية والتي يتوجب على الحزب السياسي عبورها من اجل الوصول إلى البرلمان، كأن تكون حصولهِ على نسبة (10%) من اصوات الناخبين، وقانون الاحزاب السياسية رقم (36) لعام 2015 وربما يكون التعديل تقليل الاحزاب السياسية عبر اشتراط وجودها في الاطار الوطني وليس المكوناتي وتغطي الرقعة الجغرافية للدولة العراقية، وهذا يكون من خلال تعديل المادة (11) من القانون التي تشترط طلب التأسيس، واتباع مثل هذا التعديل يقلل من كثرة الاحزاب السياسية التي تتشابه في البرامج والاهداف، لذا فإن تعديل القانونيين يسهم في توفير النصاب اللازم لعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية التي حددتها المحكمة الاتحادية العليا بثلثي اصوات مجلس النواب، الامر الذي قد ينهي ازمة الانسداد السياسي عبر الثلث المعطل /الضامن، اذاً وجود الثلث المعطل بوجود الاحزاب السياسية الصغيرة المتناثرة ومن ثم بقاء ازمة الانسداد السياسي في بنية النظام السياسي القائم.
الاراء الواردة في المقالات والابحاث لا تعبر بالضرورة عن راي مركز حوكمة للسياسات العامة