د. شجاع محمود خلف
تظهر السلطوية التنافسية كأحد اشكال النظم الديمقراطية الهجينة كخيار وليس كسلوك وممارسة، فالشكل العام للنظام ديمقراطي لكنه في الجوهر يميل إلى من خلال سياسيتهِ نحو نمط من السلطوية، لذا فهي ترتكز على ثنائية الديمقراطية والسلطوية مع الميل الى الاخيرة، وهذه الثنائية استند عليها النظام السياسي العراقي بعد عام 2003 عبر اجراء الانتخابات الدورية تكون فيها المنافسة حقيقية ولكنها غير عادلة حسب وصف Levitsky and Way.
يشير ما سبق إلى أن هذه الأنظمة لها قواعد مقبولة ومستقرة ، يتفق فيها الطرفان على أنه مهما كانت الانتخابات معيبة في الممارسة ، فإنها تظل الوسيلة الأساسية لاكتساب أو البقاء في السلطة السياسية.
حاولت القوى السياسية تكريس هذه الثنائية من خلال قانون الانتخابات البرلمانية لعام 2018 الذي فصلتهُ على مقاساتها وانتج حكومة توافقية عطلت المادة (78 ) من الدستور التي تشير إلى الكتلة الاكثر عدداً المكلفة بتشكيل الحكومة، وكنتيجة سلبية لمخرجات هذا القانون ظهرت معارضة مجتمعية شعبية تمثلت( بحراك تشرين) ودينية متمثلة (بالمرجعية الدينية العليا) مطالبة بضرورة تغيير قانون الانتخابات واجراء انتخابات مبكرة ، واصلاحات سياسية ودستورية ، وهو ما حصل في انتخابات عام( 2021 م ) التي اجريت على قانون الدوائر المتعددة الذي اتاح صعود المستقلين والحركات الناشئة من حراك تشرين على حساب مقاعد القوى التقليدية .
تسعى القوى التقليدية الى شرعنة هذا النمط الهجين بدفعها قراءة مسودة التعديل الثالث لقانون انتخابات مجالس المحافظات والاقضية رقم (12 ) لسنة 2018 وانتخابات مجلس النواب، إذ تمثل هذه المسودة تراجعا في توسيع المشاركة السياسية وتعزيز ثقة الفرد في النظام السياسي، إذ اشارت موادها الى : دمج قانون الانتخابات المحلية مع قانون الانتخابات البرلمانية، وهذا ما اشارت اليه المادة (1) من المسودة التي تنص على (استبدال عبارة مجالس المحافظات بعبارة مجلس النواب ومجالس المحافظات اينما وردت في القانون ) وفي الواقع هذه مخالفة صريحة للمواد (49/122) من الدستور التي فرقت من حيث الصياغة والمهام والصلاحيات بين مجلس النواب ومجالس المحافظات، كما رفعت سن الانتخاب من (28) الى (30) عاماً في محاولة لتقليل مشاركة الشباب في الانتخابات، والعودة الى نظام سانت ليغو المعدل الذي يعني تقويض حظوظ المستقلين والحركات الناشئة ويتيح فرص القوى التقليدية في احراز نتائج متقدمة تفضي الى السيطرة على ادارة الدولة .
ان ماتقدم سيحقق لهذه قوى مجموعة من الامتيازات ابرزها السيطرة الكاملة على الهيئات المستقلة التي تخضع لمراقبة البرلمان، و تغيير آلية اختيار أعضاء المحكمة الاتحادية المسؤولة علي عملية المصادقة على الانتخابات وتفسير نصوص الدستور، ، و اتباع سياسات داخلية وخارجية ذات طابع حزبي، فضلا عن ذلك تعديل أو تشريع القوانين التي من شأنها ان تضبط ايقاع معين على المجتمع كقنانون التظاهر وقانون حرية الرأي والتعبير، أو تشريع قانون لائحة السلوك الرقمي وغيرها من القوانين التي تقيد المعارضة بطريقة مؤطرة قانونيا.
اما النتائج المترتبة على شرعنة هذا النمط من الهجانة، فيمكن حصرها بما يلي : اولاً : استمرار الضعف المؤسساتي الذي يوفر ضمانات ديمقراطية غير كافية، وأستغلال الفاعل السياسي المؤثر في النظام والمجتمع لهذا الضعف من اجل الاحتفاظ في السلطة لأطول فترة ممكنة، ثانياً : الاستخدام الواسع للاساس الايديولوجي في ادارة الدولة سواء كان على اساس أثني ، ثالثاً : اعتماد النظام السياسي على الشرعية الدولية والاقليمية اكثر من اعتماده على الشرعية الوطنية وهذا يجعل النظام رهين التوافقات الدولية والاقليمية . رابعاً : التفنن في ادارة الازمات ليس لغاية حلها وإنما الاستمرار في ادارتها، وهذا يتيح الفرصة لضرب القوى المعارضة او الناشئة، والتأكيد على أن الحكومة في حالة تهديد داخلي تدعمه قوى خارجية وهذا يعني عمليا استمرار حدة المواجهة بين النظام السياسي والمجتمع وربما تصل هذه المواجهة الى حدوث انقسام مجتمعي بين جماهير الدولة وجماهير السلطة .