معلومات الإتصال

العراق – بغداد – شارع السعدون \ عمارة فخر الدين \ مقابل محطة وقود الجندي المجهول

ورقة عمل حول نزع السلاح وحصره بيد الدولة

سعيد ياسين موسى 

كنت مترددا كثيرا في الكتابة في مجال نزع السلاح لحساسية الموضوع والتحرز من سوء الفم,ولكن كفعاليات مجتمعية اصبحت من الضرورة الولوج في هذا الموضوع الشائك والحساس وكجزء من معالجة الامر والعمل على سيادة القانون وانفاذ القانون,كما الاثار الاجتماعية الخطيرة وتراكمها مع الزمن في دولة مثل العراق والتي تعتبر دولة هشة مع شبهات مؤكدة بتدخل خارجي في شؤونها والتي افسرها باحسن الاحوال في رؤية هذه الدول هو الحفاظ على الامن القومي لها ,ولكن بدل المساعدة في تاسيس دولة مؤسسات عرجت هذه الدول في خلق بؤرات سياسية وجماعات مسلحة بعيدا عن شرعية الدولة,وبعدها الرعاية المحلية لهذه التدخلات والانخراط فيها ,عموما ساتناول في اسطر هذه الورقة وضمن نشاطي في مجال ادارة الحكم والحكم الرشيد ومكافحة الفساد عن رؤى محددة في هذه المجالات الثلاثة للمساعدة في الاستقرار المجتمعي الوطني عسى ان تكون مفيدة .

لاشك ان بروز الجماعات المسلحة ليس جديدا في العراق واستخدامها سياسيا لمحاربة الخصوم ,فكانت المقاومة الشعبية بعد 1958 والحرس القومي بعد 1963 والجيش الشعبي بعد 1975 حتى نهاية النظام الدكتاتوري في 2003,وتأتي هذه الجماعات او الميليشيات الشعبية كما تسمى لاستمرارية تثوير الجماهير و “مفهوم العنف والعنف الثوري” وتفريغ الطاقات المجتمعية بدل تنميتها ,وبعد احتلال العراق من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية, برزت اكثر من مجموعة مسلحة لمحاربة قوات الاحتلال الامريكي والدولي لتحرير العراق من الاحتلال وهذا حق مكتسب وطنيا وشرعيا واقرتها  المواثيق والشريعة الدولية ,وهنا نأتي على تمويل هذه الميليشيات ,والكثير منها كانت بتمويل شعبي محلي تطوعي واخرى بتمويل من دول الجوار بداعي مساعدة الشعب العراقي في تحرير العراق و ضمني للدفاع عن امنها القومي خوفا من  التمدد الى اراضيها فتكون اشد خسارة وتهديدا,وبعد تشكيل اول حكومة دستورية في 2006 برز ملف نزع السلاح ودمج الميليشيات في مؤسسات الدولة وتم ذلك ولكن عليها ملاحظات عديدة ,منها وجود القوات المحتلة للبلاد مما اثر على عدم شمول الجميع بهذه الاجراءات ,تبنت الحكومة العراقية سيادة القانون واطلقت مفهوم ” فرض القانون” وبدعم من قوات الاحتلال ومباركتها وحدثت العديد من المواجهات المسلحة باسناد ومشاركة قوات الاحتلال الامريكي واعقبها “صولة الفرسان” في البصرة والتي كان من المفترض موجهة لعصابات تهريب النفط ولكن جنحت الى محاربة احدى الميليشيات بعينها دون الهدف الاساس ,ولكن القرار الشعبي كان له رأي آخر بالاستمرار في مقاومة المحتل الغازي,الى هنا والموضوع واضح وجلي للجميع لاننا عايشنا هذه التجربة المريرة وتداعياتها السياسية والتي مازالت شاخصة للعيان .

الدروس المستنبطة في هذه الفترة:

  1. الميليشيات الشعبية المقاتلة كانت متعددة التوجهات والانتماءات الاجتماعية والمناطقية.
  2. تمت محاربة جهة واحدة دون غيرها مع منح امتيازات لجهات اخرى دون التزامات محددة .
  3. خلق مجاميع مسلحة برعاية الدولة والقوات المحتلة ودعمها في مناطق التوتر الطائفي والتي سميت بالصحوات لتكون رديفة ومساندة للقوات الحكومية .
  4. لم تعتمد الحكومة على سياسة عامة على اليات نزع السلاح , من خلال التزامات متبادلة لجميع الميليشيات المستهدفة بشكل متساوي لتعميم الاستقرار الوطني.
  5. انتجت هذه الفترة الكثير من المعتقلين من قبل القوات الحكومية وقوات الاحتلال ,ولم تسوي قضاياهم وفق اليات نزع السلاح وسيادة القانون وانفاذ القانون ووفق معايير الامم المتحدة.
  6. اطلاق دعوة للسلم الاهلي في 1/1/2012 من قبل منظمات غير حكومية ونشطاء مدنيين ومناصرة مجتمعية كبيرة.

في 2011 سنة جلاء قوات الاحتلال توقيع اتفاقية صوفا والاطار الاستراتيجي بعد جولات من الاجتماعات تم الاتفاق على سحب القوات المحتلة اعتبارا من نهاية 2011 ليدخل العراق في مرحلة جديدة ,هنا الدولة لم تعمد على حلول فاعلة وفق المنطق المتعارف ووفق اليات نزع السلاح ,بعض الميليشيات توقفت عن العمل العسكري واندمجت في العمل السياسي والمدني في حين لم يستلم الشعب رسائل واضحة من بقية الاطراف المسلحة كالتزامات بنزع السلاح والركون الى العمل المدني, لست هنا محل الحكم بل محل الاستعراض,واتجنب ذكر الاسماء والجهات او المناطق باعتبار جميعها عراقية,كما اؤشر هنا الى ان المصالح السياسية لاطراف سياسية كبيرة استخدمت مواردها في النفوذ والسلطة لغرض فرض وجهات نظر جهوية محددة معززة بالقوة المفرطة للدولة تحت عناوين مختلفة.

ونتيجة لهذه السياسات في 2013 برزت بوادر مسلحة في نينوى تحديدا نتيجة سوء الادارة المحلية والامنية من خلال استيفاء الاتاوات من المواطنين وتراجع سيادة القانون وانفاذ القانون وسوء الخدمات ,المهم كانت النتيجة بروز عصابات داعش الارهابية ومجريات الجرائم لداعش ايضا عشناها جميعا .

في 2014 حدث الزلزال الارهابي المجرم وسقطت حوالي 40% من مساحة العراق تحت سيطرة الارهاب الداعشي وبواقع (3) محافظات واجزاء كبيرة من (3) محافظات اخرى ووصلت الى تخوم العاصمة بغداد,مع انهيار شبه كامل للقوات المسلحة الحكومية وجاءت رحمة السماء من خلال الفتوى المباركة “للجهاد الكفائي” للمرجعية الرشيدة وتناخا الملايين من المدنيين للتطوع للدفاع عن حياض الوطن ,وهنا مفصل تاريخي مهم من تاريخ العراق.

ولعدم التمدن باستيعاب المتطوعين من الجمهور من قبل القوات المسلحة الحكومية ,برزت فصائل مقاتلة على المستوى الوطني والمحلي لمحاربة الارهاب منها بدعم اقليمي من دول الجوار واخرى من قبل تبرعات ودعم الشعب العراقي التزاما بفتوى الجهاد الكفائي,وكانت معارك طاحنة عمادها على الارض هم المتطوعون في الفصائل المقاتلة ذهب خلال قوافل من الشهداء والجرحى والمفقودين مما خلفت اعداد كبيرة من الارامل والايتام وكما ملايين النازحين ,ناهيكم عن الاثار الاجتماعية وتدمير البنى التحتية لساحة العمليات وتدمير المدن بشكل شبه كلي.

وانتصر العراق وهزم الارهاب الداعشي المجرم بسواعد ابنائه على الارض بشكل كامل وبدعم اطراف دولية كالتحالف الدولي لمحاربة الارهاب ودول الجوار كمصلحة دولية للامن القومي الاقليمي والدولي وتطويق داعش في بؤرة واحدة وهزيمتها .

سكتت البنادق وصوت الرصاص والمدافع وازيز الطائرات وعاد الهدوء شيئا فشيئا الى جميع انحاء البلاد ,وهنا بيت القصيد في التعامل مع المتطوعين في فصائل المقاتلة للارهاب ,ومن المؤكد لا يفوتني قرار تشكيل هيئة الحشد الشعبي كمؤسسة امنية ترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة وبقرار تاريخي من مجلس النواب باغلبية اكثر من “210” صوت لصالح تشكيل الهيئة,وهنا ادرج حديث لنائب رئيس هيئة الحشد الشعبي السيد ابو مهدي المهندس في معرض رده على احدى الاسئلة في جلسة حوارية صريحة اقامها اتحاد الخبراء الاستراتيجيين حيث قال ” ان هيئة الحشد الشعبي مؤسسة امنية ترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة وعلى الفصائل المقاتلة خارج هيئة الحشد الشعبي ترتيب وضعها القانوني”,وهنا يبدأ مشوار “نزع السلاح” واتعرض لعملية “نزع السلاح وسيادة القانون” بناءا على ما تقدم .

ولابد هنا التعرض الى تساؤلات ونقاط مهمة وجوهرية وينبغي تناولها بشجاعة وصدق وامانة.

الوضع وطنيا:

  1. هل تم القضاء على بؤر التوتر المسلح بشكل كامل.؟
  2. هل هنالك التزامات مناطقية سياسية ومجتمعية بعدم العودة الى حمل السلاح او التعاون مع الجماعات الارهابية .؟
  3. هل تؤمن المجتمعات المحلية وقواها السياسية والاجتماعية بالنظام السياسي الديمقراطي والحفاظ على وحدة البلاد ارضا وشعبا واستخدام الوسائل السلمية في التعبير عن مطالبها.؟
  4. ماذا عن الجانب القضائي للمطلوبين للقضاء بجرائم ارهابية ؟
  5. هل تتوفر اليات واضحة لدى الحكومة في تطبيق سيادة القانون ونزع السلاح .؟
  6. هل تتوفر ارادة فعلية لدى الفصائل المقاتلة بالتخلي عن السلاح وعدم استخدامه في بسط النفوذ المسلح والالتزام بالقانون.؟
  7. هل تؤمن الفصائل المسلحة بالعملية السياسية والتحول الى العمل السياسي والمدني والتخلي عن السلاح.؟
  8. هل زال الخطر الارهابي.؟
  9. هل مبادرة اغلاق المقرات الوهمية من قبل هيئة الحشد الشعبي تاتي كمبادرة طمئنة للجمهور وكرد على بعض الاخبار والاتهامات الدولية.

الوضع اقليميا ودوليا:

  1. هل ستعمل دول الجوار بالعمل على استمرار واستدامة نفوذها.
  2. هل تؤمن بنظام حكم عراقي قوي .
  3. هل تستخدم الدول نفوذها المسلح المدعومة من قبلها في ملفات اقتصادية وسياسية لصالحها.
  4. هل تؤمن دول الاقليم بوحدة واستقرار العراق .
  5. هل تؤمن الدول بعدم استخدام الاراضي العراقية في حروب سياسية وعسكرية للدفاع عن نفسها ومصالحها.
  6. هل هذه الدول الاستعداد بدعم العراق في اعادة الاعمار .
  7. هل تعمل الدول على الالتزام بعدم خلق بؤر مسلحة جديدة.

هذه التساؤلات وغيرها ستتم الاجابة عليها في سياق العرض والمناقشات والمداخلات, وهكذا من اسئلة تتوارد الى الذهن لنجد انفسنا اما تحديات وطنية واقليمية ودولية وكلها تحديات ,واذا لم نستلم اجابات صحيحة وواضحة عليها ,سنبقى محل تنازع سياسي تتحول الى نزاع مسلح للاستحواذ على نفوذ اقتصادية وسياسية ومجتمعية تترسخ في ادارة الحكم الاتحادي والمحلي ,ان استخدام ملف المصالحة الوطنية كمحور للاستقرار الوطني اثبت فشل هذا الملف لتتحول الى المصالحة مجتمعية ارجو ان لا نفشل فيه وفي ادارة الازمات التي نتجت عن سنين محاربة الارهاب الداعشي المجرم ,ساترك لزملائي الذين معي في تقديم اوراقهم لمناقشة الاليات بعد عرضت التحديات التي اراها لحد الان.

التوصيات:

  • وطنيا:
  1. الشروع بالمصالحة المجتمعية مهما كانت قاسية,مع المباشرة في اعادة اعمار المناطق المحررة من الارهاب.
  2. تعهد والتزام الاطراف السياسية بصيانة النظام الديمقراطي وترسيخ الممارسات السلمية.
  3. التزام الفعاليات الاجتماعية بالمصالحة المجتمعية مع احقاق الحقوق للمتضررين من العمليات الارهابية والابتعاد من الانتقام والالتزام بالقانون.
  4. تعهد المجتمعات المحلية الالتزام بعدم التحول الى حواضن لاي نوع من انواع الارهاب والمجاميع المسلحة والتعاون التام مع اجهزة انفاذ القانون والامن.
  5. التزام الفصائل المقاتلة بالتخلي عن السلاح وفق سياسة وطنية باعادة تاهيل المقاتلين واعادة دمجهم في الفعاليات السياسية والمجتمعية وتوفير فرص العمل.
  6. بلا التزامات متبادلة من جميع الاطراف السياسية يبقى خطر استخدام السلاح قائم.
  7. التعهد بعدم قبول اي نوع من انواع الدعم من اية جهة خارجية وتحريمه وتجريمه وفق القانون كتهديد للامن الوطني والاضرار بالمصالح العليا للعراق.
  8. تأهيل القوات المسلحة على معايير حقوق الانسان وتوزيعها وفق خارطة جغرافية دون التواجد المسلح في مراكز المدن ,مع تواجد اجهزة انفاذ القانون والامن في المدن فقط وازالة جميع مظاهر السلاح والعسكرة.
  9. دعم الاستقرار بتوفير فرص العمل ودعم القطاع الخاص الانتاجي في جميع المجالات الزراعية والصناعية وغيرها من فعاليات اقتصادية وتفعيل الاستثمار .
  10. الاسراع باعادة النازحين.
  11. السيطرة التامة على جميع المنافذ الحدودية وتجريم اي طرف يحاول المساس او التاثير على ادارات المنافذ الحدودية وجمع الاتاوات.
  12. تأمين الطرق والمسارات ومنع اية سيطرات او نقاط تفتيش غير خاضعة لاجهزة انفاذ القانون .
  13. لا امن بلا التزامات متبادلة من جميع الاطراف والفعاليات السياسية والاجتماعية.
  • اقليميا ودوليا:
  1. فتح ملف التدخل السياسي والرعاية السياسية ولجميع الاطراف مع جميع الدول التي تتدخل في الشؤون الداخلية .
  2. تعهد الدول بعدم تجهيز اي طرف عراقي بالسلاح والمال .
  3. عقد اتفاقيات امنية مع دول الجوار تضمن الامن الوطني العراقي.
  4. تعهد الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوربي بدعم جهود العراق في الاستقرار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واستخدام الاراضي العراقية لاية اعمال عسكرية او جاسوسية ,ودعم الجهود الوطنية في اعادة الاستقرار ,من خلال التعاون الامني والمعلوماتي.
  5. المساعدة في اعادة النازحين .
Share:

editor

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *