معلومات الإتصال

العراق – بغداد – شارع السعدون \ عمارة فخر الدين \ مقابل محطة وقود الجندي المجهول

الدكتور عمار جعفر مهدي العزاوي

رئيس أبحاث/وزارة التخطيط العراقية

    تنوعت مظاهر العنف في العراق بعد عام 2003 الى عدة اشكال، والتي كان سببها تزايد وتفاقم ظاهرة الارهاب والتطرف محلياً خاصة خلال الفترة (2006-2008)، وانطلاقا من اهمية الموضوع سنحاول الغور في مجالين يتضمن الاول واقع العنف والارهاب والجريمة وفق المنظور الاحصائي والبياني والثاني مقترحات لمواجهة هذه الظاهرة  .

اولا : انتشار العنف والارهاب والجريمة وفق المنظور الاحصائي والبياني

   من ابرز مظاهر واثار العنف على الانسان هو قيام الاخير بالقتل، اذ يؤدي انتشار العنف الى ان يصبح القتل والجريمة وحتى الارهاب هو جزء من حياة الانسان، وممارسة طبيعية فيها، وكما يقول الكاتب (يورج بابروفسكي) “ان الانسان لا يظل صديقا للانسان اذا اتيح له الاختيار اما ان يَقتل اخاه او يُقتل هو نفسه، وما ان يلج الى مملكة العنف حتى ان يصبح جزءً من حياة لا يمكن ان يعيشها الا للحظة الانية وكل ما كان يعد طبيعياً من قبل يفقد معناه امام العنف المواجه له([i])

، ليس هذا فقط بل قد يؤدي العنف الى انتشار حالة من الرجعية والخروج عن اطار التحضر والعقلانية، فعلى سبيل المثال عندما هزم الاثيوبيون جيش الايطاليين في عام 1895م هزيمة نكراء لم يسمحوا لاحد منهم بالفرار حيث قام الاثيوبيون بقطع رؤوس الايطاليين وشوهوا جثث اعدائهم الملقاة في ميدان القتال وثأروا ثأراً مريعاً من العساكر الاثيوبيين الذين قدموا يد العون للإيطاليين، اذ يسود فكر الانتقام داخل الممارسين للعنف ([2]) ، وفي مثال اخر، هو ما حدث في معسكر (اوشفيتز) النازي ان طبيبة نازية لم تعد تطيق ما كان يحدث في معسكر اوشفيتز النازي من احد زملائها الاطباء الذي كان ينتقي السجناء المرضى في اوشفيتز ويرسلهم الى غرف الاعدام بالغاز، فعندما كان يدلي بشهادته بهذا الصدد ارادت تلك الطبيبة ان تعرف من زميلها الطبيب كيف استطاع ان يحدث توافقا بين تلك الممارسات اللا انسانية وبين قسم ابوقراط الاخلاقي الذي اقسمه قبل ممارسة مهنة الطب واجاب الطبيب بقوله “ان اليهود يعدون الزائدة الدودية الملتهبة في جسد اوربا وانه يستاصل تلك الزائدة الدودية احتراما للجسد البشري” . ([3])

ومن جانب اخر يرى خبيرا الارهاب (بيتر بيرجن) و (بول كروكشناك) بان “حرب العراق قد ولدت زيادة مذهلة قدرها سبع اضعاف من المعدل السنوي للهجمات الارهابية لما يسمى بالمجاهدين التي وصلت الى مئات الهجمات الارهابية الاضافية وخسارة الاف الارواح في صفوف المدنيين وحتى لو استثنينا الارهاب في العراق وافغانستان فان الهجمات الارهابية الفتاكة في بقية انحاء العالم قد ازدادت باكثر من الثلث” . ([4])

المصدر : https://www.statista.com/statistics/202738/number-of-terrorist-attacks-in-iraq/

https://www.statista.com/statistics/271514/global-terrorism-index

https://www.statista.com/statistics/377061/countries-with-the-highest-number-of-deaths-by-terrorism

المصدر : https://www.statista.com/statistics/202861/number-of-deaths-in-iraq-due-to-terrorism/

المصدر : خطة التنمية الوطنية 20218-2022 ، وزارة التخطيط العراقية .

المصدر: خطة التنمية الوطنية 2018-2022 ، وزارة التخطيط العراقية .

المصدر: خطة التنمية الوطنية 2018-2022 ، وزارة التخطيط العراقية .

ثانيا : اليات المواجهة

   انطلاقاً من ان كل رد فعل هو نتيجة فعل، فان وضع استراتيجيات وسياسات مناوئة للعنف هي نتيجة الاستجابة للعنف كظاهرة خطيرة قد تؤدي الى نهاية مجتمع بشري بالكامل، فعلى سبيل المثال قد ظهر النهج او المذهب الليبرالي نتيجة الحروب والعنف في اوربا لمدة ثلاثين عاما بين الكاثوليك والبروتستانت، وقد اجاب المذهب الليبرالي عن سؤال ملح جدا وهو كيفية تمكين البشر ذوي الولاءات الدينية المختلفة من التعايش سوية، فقد طالبت الليبرالية احترام الاديان انطلاقا من افكار الديانات نفسها، فاحترام الاخر هو دليل على الايمان الحقيقي بين الاديان .([5])

   عموماً تختلف الاراء حول كيفية مواجهة حالة العنف، فيرى الباحث النرويجي (يوهان جالتونج) الباحث في مجال السلام في كتابه العنف الهيكلي الذي صدر في المانيا عام 1975 ان موضوع مواجهة العنف وانهاء الحرب واحلال السلام بين الناس غير مجدي بل من الاولى البحث عن معززات ومغذيات هذا العنف والتي من وجهة نظره ضرورة القضاء على عدم المساواة وتحقيق حرية الراي والرخاء وبالتالي يمكن القضاء على العنف الهكيلي وهو بداية النهاية لكل انواع العنف.([6]) ونرى انه كما هناك مصادر تغذية للعنف يجب ان تكون هناك مصادر تغذية لمكافحته كأن يكون هناك تغذية اقتصادية ومالية لعملية مكافحة العنف من قبل الدولة ومصادر تغذية سياسية وثقافية ايضا . وعليه يحتاج العراق الى الاعتدال السياسي كخطاب وممارسة سياسية يومية عبر وسائل الاعلام او اي وسيلة لنقل المعلومة او الخطاب الموجه، من اجل خلق بيئة سياسية ملائمة للتنمية والازدهار علاوة على التداول السلمي للسطلة والتعددية السياسية، وان يكون التوجه السياسي نحو التنشئة الاجتماعية التي تخدم الوحدة الاجتماعية واقامة السلم القيمي وصولا الى اقامة السلم المدني ورفع روح المواطنة والانتماء الى وطن واحد وهذا يمكن من خلال العمل باتجاهين، الاول هو مواجهة خطاب الكراهية والثاني هو قبول الاخر ([7])، كما يحتاج العراق الى الايمان بفكرة مهمة وهي التعددية السياسية والاجتماعية كسلاح في مواجهة العنف والتي تخلق روح المواطنة في المجتمع وهذا بالطبع يحتاج الى نظام سياسي ديموقراطي تعددي يحترم حقوق الانسان ويصون كرامته ويوفر ضرورات العيش الكريم عبر التأكيد على احترام التنوع وليس نفيه ودولة مدنية تمارس الحياد الايجابي تجاه قناعات ومعتقدات وايديولوجيات مواطنيها.([8]) ويمكن تلخيص الادوار الاساسية للجهات المعنية في مواجهة العنف بالاتي :

اولا : دور المؤسسات التعليمية والاسرة

   ان ظاهرة العنف والارهاب، لا يمكن معالجتها بالجهد الامني فقط بل بالوسائل الشاملة ومنها التعليمية والتثقيفية بالدرجة الاولى، لان ظاهرة التطرف منبعها فكري، ولهذا لا بد المحاربة فكريا بالدرجة الاولى، وتشجيع الحوار الحضاري والقبول بالتعدد الفكري وقبول الحوار مع الاخر ([9]) ، ومن الادوار المثلى لهذه المؤسسة المهمة هي ان يتم التعليم على حقوق الانسان واحترام الاخر منذ مرحلة التنشئة الاسرية مرورا بالمراحل التعليمية كافة والابتعاد عن التلقين واتباع مناهج تعليم حديثة ويتم توثيقها في المناهج التعليمية المتبعة في التدريس . ([10])

ثانيا : دور المؤسسات الاعلامية والدينية

   تكثيف العمليات والحملات التثقيفية الاعلامية والدينية في محاولة تصحيح الافكار المتطرفة الخاطئة ونقل الافكار الداعية الى السلام والتعايش السلمي ونبذ الاسلوب المتطرف والعنيف بين الافراد وفي المجتمع ، ويتم ذلك عن طريق اعداد برامج تبث باللغات المختلفة للتعريف بالاسلام والدين الاسلامي الحنيف والتعريف بان الارهاب والتطرف لا يرتبط بالدين الاسلامي ولا ينحصر فقط بين الدول العربية ([11]) ، اضافة الى اعتماد ووضع مستويات ومعايير مهنية لممارسة الاعلام . ([12])

ثالثا : دور المؤسسات الامنية

   يكمن الدور الامثل للمؤسسة الامنية في مكافحة العنف والارهاب في محاولة السيطرة على الحدود ومنع تدفق الجماعات المتطرفة والناقلين لأيديولوجية الارهاب والتصدي للارهاب والتطرف السيبراني عبر برامج دولية كالتي تنظمها الامم المتحدة والمعروف ببرنامج ادارة امن الحدود والذي يفترض وجود تعاون دولي عالي المستوى اضافة الى تكثيف برامج التطوير والتدريب للمنتسبين في مجال عمل المؤسسة الامنية وخاصة الاستخبارات . ([13]) خاصة اذا ما تذكرنا ان الاخيرة لها دور مهم في البحث على اواصر التعاون الارهابي والمتطرفين، وبالحديث عن الارهابيين (ثمرة بذرة التطرف) يرى الكاتب (سكوت اتران) ان محاولة متابعة اي ارهابي وتعقبه في سبيل النيل من جماعته المتطرفة يجب ان يكون هناك سعي الى مراجعة وتجميع معلومات عن شخص نموذجي منهم، فهم في حالة اواصر وتقارب كبير دوما، حتى في مكان التجمع والاكل، والزواج يكون من الاقارب في الغالب، وكما يقول (اتران) “لو اردت ان تفهم مجموعة فانظر اين ياكل احد عناصرها واين يذهب وماذا يتابع في الانترنيت وستجد تقريبا كل العناصر الاخرى . ([14])

الخاتمة

ما زالت ظاهرة العنف هي الظاهرة الاكثر خطورة في العراق رغم تزايد الحس الامني مؤخرا، وان التعمق والتحليل المستمر والمتزايد لمسببات العنف كالتطرف واسبابه تزيد من امكانية توقع سلوك الارهابيين وتحركاتهم وانشطتهم وتولدهم داخل المجتمعات غير المستقرة امنياً .


[i] نقلا عن : يورج بابروفسكي ، العنف والانسان : كيف يؤثر العنف على البشر ويعيد تشكيل حيواتهم ، ط1 ، (القدس : دار صفصافة للنشر والتوزيع والدراسات) ، 2018  ، ص38 .

[2] المصدر نفسه ، ص86 .

[3] يورج بابروفسكي ، العنف والانسان : كيف يؤثر العنف على البشر ويعيد تشكيل حيواتهم ، مصدر سبق ذكره ، ص101 .

[4] نقلا عن : نعوم تشومسكي ، من يحكم العالم ، ط1 ، (بيروت : دار الكتاب العربي) ، 2017 ، ص319 .

[5] سلافوي جيجيك ، العنف : تأملات في وجوهه الستة ، ط1 ، (بيروت : المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات) ، 2017 ، ص148 – ص149 .

[6] يورج بابروفسكي ، العنف والانسان : كيف يؤثر العنف على البشر ويعيد تشكيل حيواتهم ، مصدر سبق ذكره ، ص128.

[7] محمود عزو حمدو ، الاعتدال السياسي واثره في مواجهة خطاب الكراهية في العراق ، مجلة جامعة الانبار للعلوم القانونية والسياسية ، المجلد الثامن ، عدد خاص ، (الانبار : جامعة الانبار) ، 2018 ، ص172 .

[8] محمود عزو حمدو ، اثر التعددية في مواجهة التطرف في العراق ، مجلة الدراسات التاريخية والحضارية ، المجلد 12 ، العدد 44 ، (تكريت : جامعة تكريت) ، 2020 ، ص389 .

[9] انسام فائق عبد الرزاق ، ظاهرة الارهاب بين الواقع والحلول المقترحة ، مجلة قضايا سياسية ، العدد  62 ، (جامعة النهرين : كلية العلوم السياسية) ، 2020 ، ص437 .

[10] ينظر : فكرت نامق ، الارهاب والسلوك الارهابي : المدخلات والمعالجات ، مجلة قضايا سياسية ، المجلد 17 ، العدد 1 ، (جامعة النهرين : كلية العلوم السياسية) ، 2009 ، ص41 .

[11] تحسين محمد انيس ، دور وسائل الاعلام في محاربة الارهاب والتطرف ، ورقة عمل مقدمة الى المؤتمر الدولي المحكم : دور الشريعة والقانون والاعلام في مكافحة الارهاب ، (الاردن : جامعة الزرقاء) ، 2016 ، ص15 .

[12] صلاح غانم نوري ، مسؤولية القنوات الفضائية العراقية في التصدي لخطاب الكراهية من وجهة نظر الطلاب الجامعيين ، مجلة دراسات وبحوث اعلامية ، المجلد 1 ، العدد 1 ، (الجامعة العراقية : كلية الاعلام) ، 2020 ، ص86 .

[13] امن وادارة الحدود ، مقال منشور على الشبكة العالمية للاتصالات الانترنت على موقع الامم المتحدة على الرابط التالي :

https://www.un.org/counterterrorism/ar/border-security-management

[14] سكوت اتران ، الحديث الى العدو : الدين والاخوة وصناعة الارهابيين وتفكيكهم ، ط1 ، (بيروت : جداول للنشر والترجمة والتوزيع) ، 2015 ، ص42 .

المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي مركز حوكمة للسياسات العامة

Share:

editor

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *