للكاتب: د.احمد عدنان الميالي
انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الامريكي في ٦-٧/ ١١/ ٢٠١٨، كانت بمثابة استفتاء على رئاسة ترامب وسياساته خلال سنتين، فخسارة الحزب الجمهوري في انتخابات مجلس النواب واحتفاظه باغلبية مقاعد مجلس الشيوخ. جعلت الناخب الامريكي يضع ترامب قيد المراقبة، اذ كان يتوقع ان يتم تأييد سياساته الداخلية والخارجية ويحافظ حزبه على الاغلبية في مجلسي الكونغرس، الناخب ترجم اشمئزازه من اسلوب ترامب الاستفزازي وغلاظته، لكن ترامب لجأ للمراوغة وروج وانصاره لمقولة الفوز، والتي هي مناقضة للواقع طبعا، فترامب مُني بهزيمة لا لبس فيها، اذ نجح الحزب الديمقراطي بتجديد نوابه وفرض اغلبيته في مجلس النواب بعد ان فقدها منذ ثمان سنوات، فالدرس كان قاسيا وديماغوجية ترامب تسببت بخسارة وتراجع واضح، لكن الامر لم يصل الى مرحلة العزاء لترامب ولا لموجته الشعبوية وتطرفه السياسي التي لها مقبولية عند اليمين المحافظ ولها تأييد في ولايات كبيرة، موجة الترامبية رغم تراجع شعبيته لها معجبين من نواحٍ عدة.
ولمواجهة تلك الخسارة سيلجأ ترامب الى التركيز على منجزاته في المسائل المتعلقة بالجبهة الداخلية المتمثلة بالتخفيض الضريبي وارتفاع معدلات النمو والموازنة وتوفير وظائف جديدة، ولكن التركيز الاكبر سيكون في السياسة الخارجية والحروب التجارية، ولهذا من المتوقع ان يستند ترامب الى تصعيد حروبه التجارية مع الصين وتشديد العقوبات على روسيا، كما سيحاول الالتقاء مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون لنزع سلاحه النووي، وسيحاول تحقيق اتفاق سلام عربي الإسرائيلي عبر التطبيع وتاسسي تحالف عربي لهذا الغرض بالتوازي مع تكثيف الضغط على إيران اقتصاديا، وعسكريا في سوريا. وهذه توجهات لايمكن ان يعارضها الحزب الديمقراطي كما انها تحظى بتاييد الحزب الجمهوري.
بالحقيقة معطيات ونتائج انتخابات التجديد النصفي لايمكن اعتبارها خسارة لترامب ، بل بالعكس اصبح ترامب في موقع قوة للمرحلة المقبلة وسينجح بان يكون مرشح الحزب الجمهوري لولاية ثانية في انتخابات ٢٠٢٠ الرئاسية، انتخابات التجديد النصفي شهدت تجسيدا لما يعرف بالترامبية واكدت ان نهج ترامب لم يكن صدفة عرضية.
فخسارة مجلس النواب، حصلت لعديد من أسلاف ترامب ولكنهم ربحوا ولاية ثانية، في حالة ترامب لم تكون قوة الحزب الديمقراطي قد افضت الى تسونامي او خسارة موجعة له، بالعكس فقد كرست الانتخابات سيطرته على الحزب الجمهوري بعد خسارة وغياب قياداته التقليدية المنفتحة على الهجرة والعالم في والمعارضة لسياسته والمؤيدة لتحقيق روبرت مولر في تلك الانتخابات، ولهذا ترامب ربح لان الحزب الجمهوري صار مرتبطا به بامتياز واصبح يحتفظ بكامل حظوظ الترشح لولاية ثانية.
ورغم شعبوية ترامب الفظة الا ان حزبه حافظ على اغلبيته في مجلس الشيوخ وقد يكون ترامب اول رئيس شعبوي مثير للجدل يحتفظ بالسلطة دون خسارة كبيرة او محاصرة لسياساته في ظل ديمقراطية عريقة كالديمقراطية الامريكية ، وهذا لايبدو شيئا عارضا، فتصويت الناخب الأميركي لفظاظة ترامب، جاء كرد فعل على العجز في اداء النخب السياسية التقليدية، وعلى قادة دول الاتحاد الاوربي وروسيا والصين ان تعترف ان رئاسة ترامب لن تكون طارئة وان تاخذ بعين الاعتبار ان نهجه ليس نشازا في المنتظم السياسي الامريكي بعد الان.
وبحسب الدستور، يمتلك مجلس النواب صلاحيات تمرير قرار بعزل الرئيس الامريكي، ثم يمثل أمام محاكمة بمجلس الشيوخ مع اشتراط موافقة ثلثي أعضاءه (٦٧صوت )من أجل عزله.
ثم تخضع المحاكمة تلك لاشراف رئيس المحكمة العليا، اذن مع مجلس شيوخ يهيمن عليه الجمهوريين المواليين لترامب ومحكمة عليا كذلك من الصعب طرح هذا السيناريو، حتى بالنسبة لتحقيق روبرت مولر، فبعد الانتخابات عمد الرئيس ترامب بالضغط على وزير العدل “جيف سيشنز”، للاستقاله القسرية مما جعل نتائج تحقيق روبرت مولر في إمكانية تدخل روسيا في انتخابات ٢٠١٦ الرئاسية عديمة الأهمية سياسياً، فلم يعد لدى مولر أي فرصة لتأمين الغطاء التشريعي للتحقيق الذي يشرف عليه في مجلس الشيوخ، فوزير العدل الجديد، اياً كان سيكون حراً في كبح واعاقة نتائج تحقيق مولر ، لان هذا التقرير لابد أن يذهب إلى وزير العدل، الذي سيقرر مصيره. ولا شك أن وزير العدل الجديد سيختاره ترامب بناءً على هذه الفرضية وستحميه سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ من اي خطر او تنحية.
وبالنظر إلى دعم الجمهوريين في مجلس الشيوخ القوي لترامب وتعزيز أغلبيتهم، فإن الديمقراطيين في مجلس النواب سيواجهون على الأرجح مهمة مستحيلة في السعي وراء عزل فعلي للرئيس، بغض النظر عما سيكشفه تحقيق مولر. فضلا عن كل ذلك فأن ترامب قادر ايضا على قبر تحقيق مولر ولديه عدة طرق لذلك فهو يمتلك سلطة العفو بكل بساطة عن كل أطراف القضية، بمن فيهم نفسه. وايضا إصدار تعليمات لوزير العدل الجديد بإلغاء تعيين روبرت مولر، أو تقليص وحجب موارد التحقيق والمحقق، والغاء التقرير النهائي بالكامل.
خلاصة القول ان الديمقراطيين لديهم أسباب كثيرة للاحتفال بنتائج الانتخابات النصفية، ولكن سعادتهم ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار أن هذه الانتخابات مكنت ترامب في مجلس الشيوخ ورسخت واقعيا نهاية تحقيق روبرت مولر بخصوص تدخل روسيا بالانتخابات الرئاسية ، وتاكيد لايقبل الشك فوزه بالترشح عن الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية المقبلة وامكانية الفوز بولاية ثانية. فعلى حلفاء امريكا ان يتعايشوا مع سياسات ترامب الديماغوجية التي تهدد أسس العولمة التي يؤمنون بأنها ضمانة للسلم والامن الدوليين منذ الحرب العالمية الثانية، او عدم التعامل مع واشنطن كحليف موثوق..
الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز حوكمة للسياسات العامة