وثيقة مونترو و مبادرة التيار الصدري إنموذجاً
لتسويات ما بعد الموصل
د.أحمد الشيخلي
توشك معركة الموصل على دخول مرحلة الحسم، بينما تواجه القيادات السياسية العراقية عددًا من الأمور المعقدة والشائكة ، تتجسد في كون هناك ثمة أزمة سياسية حقيقية في العراق تحتاج إلى حل .. و ما تزاحم و ثائق التسويات السياسة إلا دليل على وجود هذه الأزمة و تجليها بشكل واضح للعيان .. قبل أشهر تقدم ( المجلس الاسلامي الاعلى ) بما اطلق عليه التسوية الـتآريخية و لتعدل فيما بعد الى التسوية السياسية .. و قد وضحنا في مقال سابق اشكالات تلك التسوية .. كما و بيّنا عجز القوى الرديفة عن اعطاء رؤية مناسبة لتسوية هذه الازمة ..
مع مطلع شهر فبراير 2017 جاءت الاستجابة من القوى السياسية الرديفة لاعطاء رؤيتهم لمآ ينبغي عليه ان يكون الحال في العراق ما بعد الموصل .. و قد تجلت هذه الاستجابة في الوثيقة التي قدمتها القوى السنية ( اتحاد القوى ) في اجتماع مدينة (مونترو) السويسرية و مبادرة ( التيار الصدري ) بشكل منفرد عن التحالف الوطني ..
مبادئ وثيقة مونترو
طرح ممثلو (اتحاد القوى) مجموعة من المبادئ التي تحدد رؤيتهم لمستقبل العراق، والمسائل الإجرائية الواجب اعتمادها على المدى القصير لضمان استعادة ثقة المواطنين بالدولة العراقية ومؤسساتها، وصولاً إلى مؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة، تقترحه الوثيقة، للوصول إلى حل دائم للمعضلة العراقية بأوجهها المختلفة وبناء عراق على مبدأ الشراكة في السلطة و ليست المشاركة في المناصب فقط، والتوزيع المنصف للموارد، والمقولة الأخيرة تعكس رفض المشاركين لصيغة الحكم الاحتكارية القائمة في العراق اليوم . وقد أشارت الورقة التي خرج بها المشاركون في اللقاء، إلى مبدأين أساسيين آخرين، يتعلق الاول بالالتزام الصارم بسيادة القانون، ويتعلق الثاني باحترام حقوق الإنسان وفقاً للمعايير الدولية بعيداً عن أي تقييد أو تأويل.
مطالب وثيقة مونترو
على المستوى الإجرائي قصير المدى طرحت الوثيقة عدة مطالب متمثلة بـ :
- – إعادة النظر في هيكلية المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بشكل لا يترك مجالاً للتلاعب والاستغلال السياسي .
- – الإبقاء على نظام التمثيل النسبي الذي يتيح التمثيل العادل للعراقيين جميعاً .
- – ضرورة ضمان عودة النازحين إلى مناطقهم، وتأمين سلامتهم، وتأمين فرصة كاملة لهم للمشاركة في الانتخابات.
- – إصلاح قطاع الأمن و ذلك بوجوب سحب فصائل(الحشد الشعبي) من مناطق انتشاره الحالية، واستبداله بقوات مهنية مؤهلة لضمان استقرار مستدام في المناطق التي تمت استعادتها من تنظيم داعش، وذلك تمهيداً لسحب سلاح هذه الفصائل وحلها نهائياً .
- – وجوب إصلاح الجيش الوطني بما يضمن التمثيل المتكافئ لجميع مكونات الشعب العراقي كما نصت على ذلك المادة التاسعة من الدستور .
- – سيادة القانون في العراق من خلال فرض احترام القانون على مؤسسات الدولة سواء في ذلك الحكومة العراقية والقضاء العراقي المطالب بالالتزام باحترام الحقوق القانونية للمتهمين والقواعد الدستورية والقانونية المتعلقة بمدة التوقيف، وأماكن الاحتجاز، والتأكيد أيضا على ضرورة إغلاق السجون غير الدستورية وغير القانونية المنتشرة في العراق . و وجوب التزام القضاء العراقي بمعايير التقاضي الدولية، التي تضمن محاكمة عادلة للمتهمين .
- – ضرورة ضمان تفويض الصلاحيات للمحافظات وفق النظام اللامركزي الذي قرره الدستور والقانون العراقي، وعلى وجوب أن تتيح الحكومة العراقية للمواطنين جميعاً ممارسة حقوقهم الدستورية في التصويت في أي استفتاء لغرض تشكيل أقاليم جديدة، فيما إذا قرر مواطنو أي محافظة من المحافظات، أو حكومتها المحلية، الذهاب إلى هذا الخيار.
مبادرة التيار الصدري
عكست هذه المبادرة رؤية التيار الصدري للإجراءات الواجب اعتمادها في مرحلة ما بعد استعادة الموصل من تنظيم داعش ، و قد تمثلت خلاصة هذه المبادرة بعدة توصيات و مطالب تمثلت بـ :
- – الدعوة المتعلقة بحل الأوضاع الإنسانية، مع الإشارة إلى إمكانية التعاطي مع (المجتمع الدولي) للمساعدة في حل بعض المشكلات الانسانية القائمة .
- – المطالبة بتشكيل خلية دولية تعنى بمسألة حقوق الإنسان في العراق (تكون مهمتها إزالة الانتهاكات والتعديات الطائفية والعرقية) في مرحلة ما بعد داعش ، وهذا تحول نوعي في موقف التيار الصدري خصوصاً في مسألة الاعتماد على المجتمع الدولي .
- – التحول النوعي الثاني تمثل في الدعوة الى إمكانية أن تكون هناك (رعاية أممية) للوصول إلى حلول للمشكلات القائمة مع إقليم كردستان .
- – ضرورة (تمكين) القوات المسلحة العراقية والقوات الأمنية حصراً بالتواجد في المناطق التي تمت استعادتها من تنظيم داعش، والمطالبة بوضع استراتيجية متكاملة لإيجاد فرص عمل للذين شاركوا في القتال، مع إمكانية دمج بعض هؤلاء، تحديداً ما أسمتهم المبادرة (العناصر المنضبطة في الحشد الشعبي) ضمن القوات الأمنية ، و هذه دعوة غير مسبوقة لاي طرف من أطراف التحالف الوطني .
- – ضرورة إيجاد صيغة عملية لحل مشكلة رئيسة أفقدت جمهوراً واسعاً من العراقيين ثقتهم بالدولة وسلطاتها ومؤسساتها، إلا وهي مشكلة عدم الثقة بالقضاء العراقي .
خاتمة
تكشف هذه التسويات ( وثيقة مونترو & مبادرة التيار الصدري ) و من قبلهما ( التسوية التآريخية او السياسية ) للمجلس الاسلامي الاعلى ،عن وجود تطابق في الرؤى غير مسبوق، مع طرح حلول عقلانية لبعض الإشكاليات القائمة في العراق، يمكن البناء عليها ، لكن من الصعب بمكان تبني آحد هذه التسويات او الموائمة بينها ، لأن علاقات القوة في الداخل العراقي مختلة ولا تتيح إنتاج حل محلي؟! ، كما ان الاعتماد على شخص رئيس الحكومة ( حيدر العبادي) للعب دور بيضة القبان في هذا الأمر غير مجدية ، بسسبب انشغاله في انهاء معركة تحرير الموصل و ما سيترتب عليها من نتائج عامة و نتائج خاصة تتعلق بمستقبه السياسي و تنافسه الانتخابي ، كما ان الرجل أثبت بالدليل القاطع انه يعاني من بطئ في الإدراك يتبعه بطئ في الاستجابة و هذا ما تجلى بوضوح في الاشهر الاربعة عشر الاولى من ولايته !!
و بالنتيجة فإن كل الاطراف المحلية سواء من قدم مشاريع تسوية و من لم يقدم(حيدر العبادي )، لن تستطيع انتاج حل محلي و سوف يكون الاعتماد متزايداُ على الفاعل الدولي و الضمانات الدولية لتنفيذ احدى التسويات الثلاثة او الموائمة بينها عبر تسوية دولية خاصة بالعراق ، ان حل الازمة السياسية الداخلية للعراق سيكون مفتاح لانتصار ناجز و صحيح في معركة الموصل ، و لا نغالي بالقول ان الانتصار الصحيح في الموصل سيمثل ميلاد جديد للعراق كــ دولة، في حين أن الانتصار الخاطئ سيمثل نهاية للعراق كــــ كيان موحد ..