عقد مركز حوكمة للسياسات العامة مؤتمر اعلان نتائج المؤشر الوطني للتحول الديمقراطي في العراق للعام 2019- 2020 وذلك بتاريخ 23/8/2020, بحضور عدد من الاساتذة والاكاديميين والخبراء وأعلاميين ومنظمات المجتمع المدني والناشطين.
افتتح المؤتمر د.منتصر العيداني مقدماً ورقة مركز حوكمة للسياسات العامة , بأعلانه اصدار التقرير السنوي الثالث للمؤشر الوطني للتحول الديمقراطي في العراق , وسط تحولات كبرى و تطورات مهمة شهدتها البلاد ابرزها الحركة الاحتجاجية الشعبية التي انطلقت مطلع اكتوبر 2019 و شملت بغداد ومحافظات الوسط والجنوب واستطاعت فرض خياراتها الرئيسية على الطبقة السياسية , رغم ما واجهته من عنف و قمع ادى الى سقوط (561) قتيل حسب اخر احصاء حكومي , و أكثر من ( 24) الف جريح , فضلا عن العشرات من المختطفين , فأستقالت حكومة السيد عادل عبد المهدي , و تشكلت حكومة السيد الكاظمي التي وصفت بالمؤقتة لتحقيق مطالب المتظاهرين في اجراء انتخابات مبكرة تم تحديد موعدها لاحقا بتاريخ 6 / 6/ 2021 , كما جرى تشريع قانون انتخابات جديد يلبي متطلبات الحركة الاحتجاجية الى حد واضح , و ذلك بأعتماد الانتخاب الفردي و الدوائر المتعددة . في اثناء ذلك انتشرت في العراق جائحة كورونا التي ادت الى الاغلاق الشامل لفترات متعددة و تعطيل الحياة العامة و مؤسسات الدولة , التي كانت قد شهدت انقطاعات سابقة في عملها بسبب اغلاق العديد من الطرق في بغداد والمحافظات اثر المصادمات مع المتظاهرين . كل ماتقدم جعل عملية قياس الديمقراطية في العراق للعام الحالي تواجه معوقات جمة , الا ان فريق العمل استطاع من تكييف الاجراءات و التغلب على تلك المصاعب و اجراء المسح الميداني بدقة و كفاءة .
واستعرض د عادل البديوي المدير التنفيذي للمركز النتائج التي خرج بها المؤشر لهذا العام حيث اظهر الوسط الحسابي للمؤشر الوطني للعام 2019 – 2020 أن العراق يقع في مستوى متدني من الاداء الديمقراطي , فقد احرز معدل (3,0) من مجموع (10) درجات, بما يضعه ضمن خانة تقترب من الانظمة التسلطية جزئيا , وهو ما يمثل تراجعا عن معدل العام السابق , حيث احرز العراق مجموع (4.50) في المؤشر الوطني للتحول الديمقراطي في العراق للعام 2018 – 2019 , وفقا لسلم المقياس الخماسي لانواع الانظمة الذي اعتمده المؤشر و الذي يتألف من (0 إلى 10 درجات ) , و يتضمن خمسة محاور هي (الاداء الحكومي , الاستقرار الاقتصادي , سيادة القانون , الحقوق والحريات المدنية , الاصلاح الانتخابي ) .
من جانبه تناول أ.هشام الركابي الجانب المنهجي للمؤشر , موضحا أن الاستطلاع نفذ من قبل مجموعة من الخبراء الأكاديميين المتخصصين بعلم الاجتماع والاقتصاد و القانون والعلوم السياسية في العراق , و قد تم جمع البيانات عبر إجراء استبيان يستطلع آراء العراقيين في كافة محافظات العراق , بحجم عينة كلي بلغ (4884) مواطن موزعة بين كافة الفئات العمرية و المجتمعية والمستويات التعليمية والاقتصادية .
و قدم محور الاداء الحكومي كل من د.عماد الشيخ داود و د.فلاح الزهيري , حيث أظهرت النتائج المنحى المتدني لعمل مؤسسات الدولة , و تردي علاقة المواطنين بالجهاز الحكومي , الناجم عن الفساد واسع الانتشار والافتقار للشفافية (81%) من المبحوثين , و سوء الادارة و التمييز في الخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطنين الذي اشره ( 83,5% ) منهم , وان (91,9%) من العينة اتفقوا على ان المساءلة البرلمانية غير فاعلة و تخضع للاعتبارات السياسية , بالمقابل تظهر المؤشرات أن نسبة ملحوظة (46,8%) تتفق مع قدرة الحكومة الجديدة على السيطرة على المنافذ الحكومية .
وفي المحور ذاته عرض أ. ورقته حول محور الحكم المحلي مبيناً فيها أن الديمقراطية لا تتكامل دون أن يكون هناك دور للمجتمعات المحلية في إدارة شؤونها, فهناك علاقة طردية بين الديموقراطية والحكم المحلي , فلا يمكن تصور وجود حكم محلي في دولا لا يؤمن نظامها السياسي بالديموقراطية.
ثم قدم د. سلام جبار شهاب شرحا لمحور الاستقرار الاقتصادي في اطار التجربة الديمقراطية , مبينا طبيعة الاختلالات الناجمة عن الاداء الاقتصادي للحكومة , حيث أشر المبحوثين بنسبة كبيرة وجود فجوة اقتصادية واسعة بين الطبقة السياسية وعامة الناس, و ابدى (72,9%) من العينة عدم الثقة بقدرة الحكومة في الحفاظ على المستوى المعاشي للمواطنين , فيما ايد (85,1%) عدم وجود فرص متساوية في سوق العمل , و أن القطاع المصرفي لايحظى بثقة الجمهور (69,8%) .
اما على صعيد محور سيادة القانون , الذي اشرف عليه د.منعم خميس مخلف, فقد عبر المبحوثين عن وجود حالات كثيرة من الانتقائية في تطبيق القوانين وانفاذ القانون , فقد اجاب (85,1%) ب لا اوفق على مقولة (المواطنون متساوون امام القانون) , و اشار (83,7%) الى ضعف استقلال القضاء و خضوعه للتدخلات و الضغوط , فيما يعتقد (70,7%) ان قوانين العدالة الانتقالية تطبق بصورة انتقائية , الا ان المسح اظهر تفاؤلا نسبيا بقدرة الحكومة الجديدة على حصر السلاح بيد الدولة .
وفي محور الاصلاح الانتخابي الذي قدمه د. عبد العزيز عليوي العيساوي تحدث قائلا بأن اختيار العمل ضمن عنوان “الاصلاح الانتخابي” هذا العام كان بسبب حدوث اصلاحات والمطالبة باخرى على خلفية الحراك الاحتجاجي الذي انطلق في اكتوبر/ تشرين الاول 2019. حيث جاءت نتائج المسح الميداني لتعكس مواقف مشجعة نسبيا من القانون الانتخابي الجديد و الانتخابات المقبلة , فقد ايد (72,7%) من العينة الترشيح الفردي واعتبروا ان ذلك سيتيح فرصة اكبر لفوز المرشحين الذين يعبرون عن ارادة الشعب , و ان الانتخابات المبكرة تعد الحل الانسب للازمات السياسية القائمة وفقا ل( 52,4%) من المبحوثين . فيما اظهرت النتائج وجود تشكك في استقلالية و مهنية المفوضية الجديدة , فقد أيد (33,6%) بأن وجود مفوضية انتخابات من القضاة سيكفل نزاهة الانتخابات , بينما رفضت هذه المقولة بنسبة (30,9%) .
اخيرا تم عرض نتائج محور الحقوق والحريات من قبل د.علي طاهر الحمود و د.سعاد مقداد الاسدي, حيث أظهرت نتائج الدراسة الميدانية وجود اختلالات حقيقية تستدعي تشخيص الأسباب واقتراح السياسات لمعالجة كافة اشكال الانتهاك، من خلال تشريع القوانين المطلوبة لاسيما التي نص عليها الدستور لكفالة وحماية وتعزيز الحقوق والحريات بكافة اشكالها. فقد اشار المبحوثين بنسبة (80.9) الى تراجع كبير في مستوى ضمان حقوق المرأة , وبنسبة (89.8) فيما يخص ضمان حقوق الطفل, فضلا عن ضعف المساواة بين الجنسين التي جاءت بنسبة (66.8) حسب اراء العينة.
و في سياق اخر , اظهر المسح الوطني أن الحراك الاحتجاجي نجح بقدر واضح في فرض خياراته الاساسية , حيث ايد المبحوثون بأن التظاهر والاحتجاج الشعبي فاعل ومؤثر في التغيير الحكومي, و ان الاحتجاجات الشعبية عبرت عن المطالب الحقيقية في الاصلاح , بنسبة (47,5%) و (67,5%) على التوالي . وهو ما يرتبط بفرص التغيير المرتقبة .
و خرج التقرير السنوي بجملة من التوصيات السياساتية التي تستلزم مراجعة جدية من الفاعلين و المؤسسات السياسية لغرض تصحيح مسار التحول اليمقراطي في العراق وانتشاله من دوامة الازمات و العطب المزمن .
يذكر أن المؤشر الوطني للتحول الديمقراطي في العراق للعام الحالي اجري بالتعاون بين مركز حوكمة للسياسات العامة (GCPP) و المجموعة المستقلة للأبحاث (IIACSS) .